أعلنت "أوريانا فالاتشي" في كتابها الجديد الذي يحمل عنوان (قوة العقل) الذي انقل عنه "إن أوروبا آخذة في أن تصبح أكثر وأكثر مقاطعة من مقاطعات الإسلام، ومستعمرة من مستعمرات الإسلام". وهي محقة في هذا! إن المعقل القديم للمسيحية يفسح المجال بسرعة أمام الإسلام. أبلغ "برنارد لويس" صحيفة "دي فيلت" في وقت مبكر من هذا الشهر أن "أوروبا ستكون إسلامية بحلول نهاية القرن".
يوجد عاملان يسهمان بصورة أساسية في هذا التطور الهائل، غير العادي الذي يهز العالم:
أولهما هو تفريغ المسيحية من مضمونها: إن أوروبا آخذة في أن تصبح مجتمعاً في مرحلة ما بعد المسيحية، مجتمع ذو ارتباط ضئيل بتقاليده أو قيمه التاريخية. لقد انخفضت أعداد المسيحيين المؤمنين الحريصين على دينهم إلى درجة خطيرة، ما دفع بعض المراقبين لأن يصفونها بالقارة المظلمة الجديدة.
ويقدر المحللون بالفعل أن مساجد بريطانيا تستقبل أسبوعياً عدد مصلين أكبر مما تستقبله كنيسة إنجلترا. وتوجد عوامل أخرى، أولها هو تفريغ المسيحية من مضمونها، ضعف المسيحية، وثانيها معدل المواليد. إن الأوروبيين الأصليين ينقرضون، حيث أن الإبقاء على جماعة سكانية ما يتطلب أن تنجب المرأة في المتوسط 2.1 طفل. ولكن في الاتحاد الأوروبي، فإن المعدل الإجمالي هو 1.4 طفل للمرأة، بل أن هذا المعدل آخذ في الانخفاض.
وتشير إحدى الدراسات إلى أنه إذا استمرت التوجهات السكانية الراهنة وتوقفت الهجرة، فإن عدد السكان الحالي الذي يبلغ 375 مليون سوف ينخفض إلى 275 مليون في غضون سبع سنوات. ومن أجل الحفاظ على عدد سكانه العاملين في وضع مستقر، فإن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى 1.6 مليون مهاجر كل سنة، كما أن الحفاظ على نسبة العمال الحاليين إلى نسبة المتقاعدين يتطلب عدداً هائلاً من المهاجرين يصل إلى 13.9 مليون مهاجر سنوياً. ويأتي الإسلام والمسلمون إلى هذا الفراغ الذي تخلقه المسيحية الآخذة في الضعف ومعدلات المواليد المنخفضة.
وفي حين أن المسيحية تتعثر وتتداعي، فإن الإسلام يقوى، ويؤكد هويته وطموحه. وفي حين أن الأوروبيين ينجبون عدداً أقل من المتوسط من المواليد، ويفعلون ذلك في أعمار متقدمة، فإن المسلمين يفعلون هذا بأعداد كبيرة وفي شبابهم.
وفي الوقت الراهن، يحدد حوالي 5 بالمائة من سكان الاتحاد الأوروبي هويتهم مع المسلمين. وإذا استمرت التوجهات الحالية، فإن هذا العدد سيصل إلى 10 بالمائة عام 2020.
إذا فرّ غير المسلمين من النظام الإسلامي الجديد، وهو ما يبدو مرجحاً، فإن القارة يمكن أن تكون ذات أغلبية مسلمة في غضون عقدين من الزمان. وإذا حدث هذا فعلاً؛ فمن الشيق التكهن بما سيحدث بعد ذلك. فالكاتدرائيات العظمية سوف تظهر كآثار لحضارة بائدة حيث ستبقى هناك طالما أن نظام حكم على غرار النظام السعودي لا يحولها إلى مساجد، أو لا يقوم نظام حكم على غرار نظام طالبان بتفجيرها. ومن المرجح أن تزوي الثقافات الوطنية العظيمة، مثل الإيطالية والفرنسية والإنجليزية وغيرها، ويحل محلها هوية إسلامية عبر وطنية تمزج العناصر القادمة من شمال أفريقيا وتركيا وشبه القارة وغيرها من العناصر.
وهذا التنبؤ ليس جديداً. ومع أني أقول هذا في عام 2004، فإنه في عام 1968 ألقى السياسي البريطاني "إنوك باول" خطاباً شهيراً يحمل عنوان "أنهار لغة الدم " (http://www.sterlingtimes.org/text_rivers_of_blood.htm) حذر فيه من أن السماح بالهجرة إلى المملكة المتحدة سيدق المسمار الأخير في نعشها.
وبالمناسبة، فإن مسيرته الوظيفية التي كانت واعدة جداً، انتهت بسبب هذه الكلمات. وفي عام 1973 نشر الكاتب الفرنسي "جان راسبيل" قصة "معسكر القديسين" التي تصور أوروبا وهي تسقط في يد الهجرة الضخمة غير المتحكم فيها من شبه القارة الهندية.
إن التحول السلمي لمنطقة ما من حضارة رئيسية إلى أخرى، الذي يحدث الآن في هذه المنطقة بعينها، ليس له مثيل أو سابقة في التاريخ الإنساني، وهو ما يجعل من السهل تجاهل حقيقة أنه يحدث الآن.